إيمان : قصة ايروتيكا عربية في الصحراء للكبار فقط


قصص جنس أيروتيكا للكبار

تحت لهيب الصحراء، وبين أمواج بحرها الرملي، تندفع سيارة دفع رباعي بأقصى سرعتها نحو المجهول. لا شيء أمامها سوى أمواج أخرى من الرمال وأفق ذهبي يلامس سماء زرقاء لا تنتهي. وفي داخلها، خلف المقود، يجلس شاب توشك ملامح العشرينات أن تتلاشى من وجهه. مترنحًا يحدق إلى الأفق كلما اهتزت سيارته، وكلما اهتزت سيارته سمعت قعقعة قنينات الشراب الفارغة تتصادم من حوله.

يقال إن فقدان الإيمان هو أسوأ ما قد يقع للرجل. فالرجل، ما إن يفقد إيمانه بما كان أعزَّ على قلبه، حتى يصبح ميتًا حيًّا سائراً بلا معنى لحياته، فيجاري الدهر خذلانًا بعد خذلان إلى أن يخفت بريق الوجود في قلبه. ولعله بعد ذلك يصير ميتًا حيًّا سائقًا عبر صحراء من الرمال، يرجو أن تقتله فتقبره.
 
يبدو الأمر شاعريا لوهلة؛ رجل متهالك ليس لديه ما يخسره، في مواجهة صحراء مهيبة تبدوا خالدة. لكن الحقيقة أن العالم ليس دائما شاعريا، وماهي إلا أمتار قليلة أخرى حتى يبرهن القدر على ذلك، إذ يجد رجلنا نفسه مستلقيا على الرمال الملتهبة إلى جوار عربته المنقلبة. حافيا ينظر إلى السماء فوقه وازرقاقها يخفث شيئا فشيئا إلى أن يفقد وعيه تماما.
 
-         أين أنا؟
 
-         في القصبة.
 
يسأل بعد أن يستيقظ فيجيبه مدير فندق القصبة.
 
كل ما يذكره هو لحظات مبهمة من قيادته عبر الصحراء، وها هو الآن يجد نفسه حافيا مرتديا سروالا وقميصا أبيض من الكتان على سرير في فندق وسط الصحراء. لولا الندوب على وجهه لبدى كأي زائر أو سائح آخر في الفندق.
 
-         وجدناك ملقى في الصحراء إلى جانب سيارتك، مبعثرا كأنك أحد تلك القنينات... ليس من الحكمة أن تقود مخمرا حتى وإن كنت في الصحراء، من حسن حظك أن الحسناء أقنعتنا بعدم الاتصال بالشرطة.
 
-         الحسناء؟
 
-         تلك المرأة هناك... في الواقع هي من لمحتك أولا، و بالمناسبة لقد أفسدت جولة الرحالة على الجميع، حتى الجمال رثت لحالك.
 
بصعوبة يقوم من مكانه، نوعا ما متألما لكن غير مباليا. يخطو ببطء نحو باب الغرفة ثم يتوقف محدقا إلى الردهة في الجانب المقابل، والتي تعج بعشرات من السياح والزوار الآخرين، يمرون في كل الاتجاهات مالئين المكان صخبا. ثم يراها أخيرا، هناك بجانب المدخل حيث تحدق بدورها إلى الظلام في الخارج وإلى نور اللهب الذي يتحلق حوله بعض السياح. للحظة تلتفت لتلتقي أعينهما، فيلمح منها ابتسامة خفيفة قبل أن تستدير فتغادر الفندق للخارج.
 
-         يجب أن تدفع ثمن الغرفة. 
يقول المدير في أذن الرجل مباشرة بعد إن اقترب منه حتى كاد يلتصق به.
تلك الكلمات تسحب وعي الرجل إلى الواقع مجددا، ثم وإليها يضيف:
 
-         وجدنا محفظتك في السيارة... كان يجب أن نعرف من أنت... على كل إنها هناك على المنضدة بجانب السرير، بكمية المال داخلها سيكون بإمكانك تحمل قضاء بضعة ليال هنا... وبالمناسبة، لا تزال سيارتك في الخارج حيث وجدناك، غدا سأدلك على مكانها، لتأمل فقط ألا تغطيها الرمال بسرعة.
 
بعد ذلك يغادر المدير للخارج، أما الرجل فيعود للداخل، فقط ليلتقط محفظته ثم يخرج مغادرا بعد ذلك الغرفة نحو الردهة حيث مكتب الاستقبال. هناك يدفع ثمن الليلة ثم يتوجه نحو الخارج ليراها مجددا... بالكاد.
 
إنها هناك... بخطى رشيقة تتمشى حافية على الرمال الدافئة بعد حرارة اليوم. النسيم يداعب خصلات شعرها الأسود سوادا يكاد يكون أشد حلكة من بدن الليل حولها. برداء خفيف أسود كذلك، تكاد تختفي عن الرؤية لولا بياض بشرتها الذي يعكس لهيب نار المخيم. كلما مشت أكثر نحو الظلمة حيث النجوم أوضح، كلما خشي رجلنا أن يفقدها، ولذلك قرر اللحاق بها وشكرها على انقاذ حياته التي لا يأبه لأمرها.
 
بين تلال عملاقة من الرمال وقفت تحدق إلى السماء حيث النجوم، بينما وقف هو أمتار خلفها، إليها بصعوبة يحدق. وفي الأفق بين فسحة بين التلال بدأ البدر في البزوغ.
 
خشية أن يخيفها قال قبل أن يبلغها:
 
-         شكرا!
 
فردت وهي تعلم مسبقا أنه يلحقها:
 
-         أنظر إلى النجوم! إنها مذهلة!
 
ظنا منه أنها لم تسمعه، يقترب أكثر إلى أن يبلغها هذه المرة، فيعيد:
 
-         شكرا... على إنقاذ حياتي... وعلى إقناعهم بعدم إعلام الشرطة.
 
ما كان يتوقعه هو رد عن شكره لها، لكن ما حصل عليه هو تجاهل آخر لكلماته، بدون أن تقول أي شيء استلقت أولا على ظهرها لتتأمل السماء، ثم بعد ذلك قالت:
 
-         رأسك الكبير يحجب المنظر.
 
مستغربا وحائرا لوهلة، اعتذر ثم ببساطة استلقى إلى جانبها بحذر محدقا هو الآخر إلى النجوم، لا يعلم حتى ما إذا كان ذلك لائقا، يبدو خائفا من أن تكون لها ردة فعل عنيفة. أما ردة فعلها فكانت أن أمسكت يده ثم سألته:
 
-         لم قد يرغب المرء في الموت وترك كل هذا العالم بنجومه الجميلة؟
 
قبل أن يجيب أو حتى يسمح لعقله بالتفكير، يتأمل النجوم فوقهما ثم يتنهد فيعترف:

-         بصراحة، لم أتوقف لألاحظ جمال النجوم من قبل... كأنني أقابلها للمرة الأولى.
 
-         مثير للشفقة.
 
يلتفت إليها حائرا فيسمعها تضحك، إنه حقا غير قادر على التكهن بما ستقوله أو ستفعله تاليا، فيقرر أن يجاريها فحسب، حتى أن ذلك لن يكون صعبا، فضحكتها معدية ووجودها بحد ذاته مريح.
 
-         آسفة (تقول ضاحكة)
 
-         لا بأس، معك حق على ما أعتقد (يرد مقهقها)
 
حتى الآن لايستطيع كلاهما إلا أن يسمع الآخر، ولا مرئي غير النجوم، مع ذلك، فالوضع على وشك التغير، فالبدر يبزغ وبإماكنهما رؤيته في الأفق بين فسحة في بحر التلال. كلما بزغ أكثر، استطاع كلاهما خطف نظرات لوجه الآخر .
 
-         باستثناء النجوم؟ لم تحيين؟
 
-         لدي حلم قد يتحقق يوما; أن يكون لي وليد أرعاه.
 
يعم الصمت للحظة، ثم تسأل:
 
-         تبدو ضائعا، عما تبحث؟
 
-         عن إيماني.
 
يعم الصمت مجددا، ثم... وبدون أن ينبس أي منهما بكلمة، تلتفت نحوه فتقبله، وعلى الفور يبادلها القبلات وكلاهما يشعر بقبضة الآخر تشتد. لا يزال الظلام سائدا نوعا ما، يعمل كستر لهما. إن مر مار فلن يتمكن من رؤيتهما، لكن حتما سيسمع صوت قبلاتهما وأنفاسهما المتسارعة، وليس كأنهما لا يأبهان، بل الواضح أن لهما كل الخصوصية في العالم، ليفعلا ما يشاءان، وذلك بالضبط ما يفعلان.
 
يقبلها فتقبله، ثم يقبلها بحرارة أكبر فتماثله شغفا. كلاهما غريب كليا عن الآخر، إلا أن الأمر  يبدو ملائما تماما، كأن روحيهما تعرفان بعضهما أشد المعرفة، وما حر اللحظة إلا حر لقاء آخر بعد حياة أخرى.
 
وهما هناك جنبا إلى جنب، تستكتشف شفاه كل منهما شفاه الآخر، يسارع البدر ليحيطهما بنوره، ما يشع منه الآن يكفي لينير وجهيههما. يتوقف ليتأمل جمالها لوهلة، تلتقي أعينها فيبتسمان ابتسامة رضى خفيفة.
 
يفهم من ذلك أن له الإذن ليقبلها كما يشاء، ليتحسسها كما يشاء، وليسيطر على جسدها كما يشاء، يفهم كل ذلك فقط من عينيها الخاضعتين وابتسامتها التي تحاول كبح أنفاس الشهوة ولو للحظة.
 
بقوة يسحبها إليه فيجعلها تعتليه، وبذلك يلتصق صدرها بصدره ليقبلها أكثر. بإمكانه أن يشعر بحرارتها تحاصره وحرارة الرمال أسفله، وكأنه بين شمسين، ينعم بدفئ لطالما احتاجه، فهل يقنع؟ يبدو الجواب لا... يبدو أنه لا يبتغي دفئا وإنما احتراقا، لذلك ينتصب جلوسا وهي على حضنه دون أن تفترق شفاههما، ليس قبل أن يفرّقهما رداؤها وهو يرفعه ليكشف عن جسدها، ثم عن صدرها، كما تفعل هي المثل، فتفك أزرار قميصه لتنزعه فتتحسس جسده. نصف عرات الآن بين التلال يقبلان بعضهما أكثر.
 
كلما ارتفع البدر في السماء ارتفعت بهما الشهوة. سرعان ما انتقلت القبلات من الشفاه إلى باقي الجسد، فيقبل عنقها فوجهها فأسفل أذنيها مرارا وتكرارا بينما يشعر بأنفاسها تنقطع، كلما حاولت أخذ نفس بطيء سارع إلى تقبيل فمها مجددا، كل ذلك بينما تتحسس يداه ظهرها فصدرها، يسحبها نحوه بقوة ليعانقها بينما يلتهم عنقها. ثم يحين دور صدرها، بلهفة يضعه في فمه، يرضع كطفل جائع تارة وتارة يعض أسفل كل واحدة من نهديها أو يداعب حلمتيها، دون أن يترك لها الفرصة لتسترخي. مع كل قبلة وحركة من يديه القويتين، تشعر هي بدوار الشهوة وتزداد بللا.
 
بعد أن يكتفي، يضعها على ظهرها أمامه على الرمال، ثم ينزع سرواله فسروالها الداخلي، هما الآن كليا عاريين، وهي بجسدها المذهل على الأرض تنظر إليه وهو يحجب نور البدر أمامها، وكأنها فريسة تحدق إلى مستذئب يتأملها، وسرعان ما يهجم ليقبلها مجددا، ولتشعر ببعض من ثقل جسمه العريض عليها، فيقبلها وقضيبه يلامس فخذيها تارة ثم مهبلها تارة أخرى، كلما شعرت به ضعفت حتى يسترخى مرفقاها تماما لتصير مستلقية على الأرض كليا، مستسلمة لكل ما سيحدث.
 
بعد شفاهها يقبل جسدها نزولا إنشا تلو آخر، فيمر على عنقها ثم حلمتيها فبطنها إلى أن يصل إلى شفافها الأخرى، فيباعد بين ساقيها ويبدأ في إلتهام مهبلها وكل ما ينزل منه، بينما تداعب يديه صدرها أو تمسك بخصرها ليثبتها على الرمال ويمنعها من التلوي لذة. فيلحس ويقبل ويلتهم وهي تتأوه وتزداد حرارة مع كل حركة للسانه، حتى أنها تستطيع أن تشعر بالدماء تتدفق إلى وجهها.
 
بعد أن يأكل مهبلها بما يكفي تبدأ في الارتعاش والصراخ أمامه دون أن يتوقف حتى، على الأقل ليس قبل أن تتوقف عن الارتعاش، فقط ليصعد إلى وجهها فيقبل شفافهها وكأنه يأمرها أن تتذوق نفسها، فتبادله القبلات متعبة نوعا ما إلى أن تشعر فجأة بقضيبه ينزلق داخلها إنشا إنشا فتنقطع أنفاسها مجددا.
 
مع كل قبلة يدخل قضيبه في مهبلها، يمنحها الفرصة لتستوعب ما يحدث، ويهيئها ليضاجها كعاهرة غجرية صغيرة في الصحراء، كلما قبلها زادت قوة نكاحه لها، إلى أن يبلغ أخيرا أشد شهوته فيبدأ في مضاجعتها بقوة، أما هي فتستسلم غير قادرة على التأوه حتى، عيناها تعكسان نور البدر بوضوح بعد أن اختفى بؤبؤهما، أما صدرها فيقفز صعودا ونزولا مع كل حركة ومنظره يزيد الرجل إثارة. من شدة البلل الذي بلغته صار لمهبلها صوت وكأن للصحراء الآن نهر.
 
وأخيرا يهتز كلاهما معا، هي للمرة الثانية، أما هو فتلك أولاه. وكما أدفئها بجسده من الخارج، يملأها دفئا من الداخل... دفئ تستطيع أن تشعر به يتقاطر منها حرفيا. منتشيين وراضيين بعد ذلك، يستلقيان بجانب بعضهما البعض على الرمال يحاولان التقاط أنفاسهما، وتدريجيا يعودان للهدوء وإلى ملاحظة جمهور النجوم فوقهما مجددا.
 
-         يبدو أننا قد قدمنا عرضا لأصدقائك بالأعلى.
 
-         ضاحكة ترد: نحن النجوم الآن.
 
حتى بعد تلاشي ضباب الشهوة، لم تتغير الأجواء بينهما. لا أحد منهما يشعر بالحرج أو الغرابة أو الخزي أو العار، وكأنها لم تكن مرتهما الأولى معا، وكأنهما أيضا ليس بغريبين عن بعض. بإمكان جلستهما أن تكون أزلية على تلك التلة ولن يمانع أي منهما، لكن ! من هناك حيث الفندق، تصدح موسيقى عالية تذكر الحسناء بما جاءت من أجله إلى الصحراء، فتنتصب جلوسا متلقفة رداءها ثم ترتديه وهي تتحدث إليه مخبرة إياه عن زفاف صديقتها، وأن عليها العودة. بسرعة يفعل هو المثل بثيابه ثم يعرض عليها مرافقتها في طريق العودة للفندق.
 
طوال الطريق إلى هناك، يترنحان، يضحكان ويتحدثان إلى أن يقفا أمام نار المخيم فيأخذان بضع لحظات للتحدث. من خلال مدخل الفندق يقف نفس المدير السابق، ينظر إليهما، ومن منظوره يرى بوضوح نارا متقدة بين حبيبين وإ لم يعلنا ذلك. أما بالعودة إليهما، فكل يرى وجها يتراقص عليه نور اللهب وابتسامة قبول وأمل في لقاء آخر بعد حين.
 
-         إن مللت ضجيج الحفل، فستجدينني هنا في الخارج.
 
-         وإن مللت عزلة الصحراء فستجدني في صخب الحفل.
 
-         اتفقنا.
 
-         اتفقنا.
 
بذلك تغادر هي فتمر بجانب النار مبتعدة بحذر، آخذة معها نظراته إلى أن تدخل الفندق وتتوغل في الردهة بين حشد صغير من الناس، تناورهم برشاقة وهي تبدو مستعجلة نحو النهاية حيث تختفي كليا، ومع اختفائها تنحسر نظراته إلى أن تبلغ النار أمامه. وفجأة يجد نفسه مجددا غير مدرك لما يجب أن يفعله الآن، فيبدأ شعوري العزلة والوحدة بالتسرب إلى كيانه كالمعتاد، مع ذلك، وللمرة الأولى منذ دهر، يشعر ببعض من الأمل الذي صار الآن يزاحمهما في قلبه.
 
ببساطة يقرر أن يجلس على مقعد تقليدي من جلد الناقة بجانب النار، وأن لا يفعل شيئا غير تأمل الأرجاء، فيبدأ بالنجوم أولا، محاولا أن يتمعن جمالها، لكنه يلقى صعوبة في ذلك ونور اللهب يحيط ببصره، فيعود ليحدق إلى الأفق حيث لاشيء غير الظلام، فيبدو له المشهد هادئا مسالما، إلى أن يلمح حركة أمامه ببضعة خطوات، يتمعن في مصدرها فيرى عقربا وقد لامس النار عرضيا، يلسع نفسه قصدا يبتغي موتا أزليا، فيذكره ذلك بنفسه وما حاول فعله بروحه.
 
ثم يتذكر السيارة وما في داخلها، فيقف تاركا العقرب لمصيره، مبتعدا نحو مدخل الفندق حيث يجد المدير. كل ما يريده الآن هو أن يقله أحد إلى حيث سيارته، وذلك ما يطلبه تماما بكل لباقة، حتى أنه يعرض الدفع في المقابل، لكن المدير ببساطة يرفض، وبخوفه على سلامة موظفيه يتحجج.
كل ما يستطيع فعله هو وعده مجددا بالمساعدة في الصباح، حين يجعل ضوء الشمس من ذلك أمرا أكثر أمانا، لكن يبدو أن رجلنا العنيد يرفض الصبر، فيلح على المدير أن يخبره أي اتجاه يسلك.
 
يحاول الأخير أن يثنيه عن ما ينوي فعله، لكن دون جدوى. في النهاية، يرافقه إلى الخارج ويشير له نحو الأفق حيث يفترض أن تكون سيارته، ينصحه أن يمشي في خط مستقيم مسافة خمسة كيلومترات ثم يحذره للمرة الأخيرة، بأن لا أحد سيمشي خلفه لإنقاذه… على الأقل ليس قبل أن تشرق.
 
بعد ذلك التحذير يعود المدير إلى الداخل بينما يظل الرجل واقفا محدقا إلى الظلام أمامه وقد بدأت فكرة قطعه لكل تلك الكيلومترات مشيا تبدو أمرا مرهقا وخطرا.
 
بينما هو هناك، وفجأة! يسمع رغاء جمل آتيا من خلف الفندق. يتسلل نحو مصدر الصوت فيكتشف حظيرة صغيرة للجمال المستخدمة في جولات السياح. يفكر لبرهة "هل سأفعل هذا حقا؟" ثم يقرر أخيرا "تبا، لم لا؟". فيقترب من الحظيرة بعد أن يتأكد من أن لا أحد في الأرجاء يحرسها. بهدوء يفك سلكا حديديا حول باب القصدير البدائي الذي يمنع الجمال من الخروج، ثم يفتحه كليا.
 
لم يسبق له أن ركب جملا من قبل، غير أنه معتاد الخيول، وفي ذهنه يتخيل أن للجمال لجام من خلاله يمكن التحكم بها، فيبدأ بصعوبة بالنظر في الأرجاء إلى أن يعثر أخيرا على جمل ملجم، وبهدوء يقترب منه فيقفز على ظهره. مباشرة يقف الجمل ماشيا بطواعية كما اعتاد قبل كل جولة، مغادرا الحظيرة نحو الصحراء.
 
ينطلق في رحلته ذات الخمسة كيلومترات متوترا بعض الشيء، مفعما بالأمل بعض الشيء. يفكر في كم أن الأمر غريب لبرهة، وكيف أنه في الصباح كان يسعى للقاء حتفه، بينما الآن يخشى الضياع أو الموت أثناء رحلة قصيرة. مع ذلك، سرعان ما تتلاشى تلك الأفكار والتأملات لتحل محلها تأملات في جمال الطبيعة حوله تحت نور البدر، النجوم الآن أسطع والنسيم الدافئ أنعم. لاشيء يحيط بيه غير السكون الذي بفضله يستطيع سماع الرمال تنحشر تحت خطوات الجمل، وصرير الجنادب هنا وهناك.
 
بعد المزيد من المشي، يصل الجمل به أخيرا إلى تلة كبيرة، ما أن يبلغ قمتها حتى تظهر السيارة في الأسفل، محاطة من كل جانب بتلال مشابهة. إنها منقلبة لكن ما يظهر من بدنها الأبيض يبدو ساطعا وهو يعكس نور البدر. بلهفة يحث الجمل على نزول التلة والتوجه نحوها. ها هي الآن أمامه، وها هو ينزل من على الجمل متحمسا ليخطو بضعة خطوات نحو النافذة الأمامية التي غطت الرمال نصفها. بسرعة يحشر نصف جسده إلى الداخل ويبدأ في التنقيب بين الرمال المتسللة إلى الداخل وبين الفوضى عن حقيبة.
 
بينما ينبش الرمال داخل السيارة وبينما يزيح بضعة أشياء متراكمة، يسمع جمله يضبح في الخارج، يثير الأمر استغرابه لوهلة لكنه يتجاهل الأمر ليعاود البحث، ثم وفجأة يسمع ضبح الجمل مجددا متبوعا بخطوات فزعة. يخرج مسرعا من عنده فيلمحه وهو يعدو متسلقا التلة يبدو مرتعبا، وبسرعة يحاول الركض خلفه وهو يصرخ وكأن الجمل سيفهمه، لكن الجمل ببساطة يعدو إلى أن يختفي تاركا إياه مرهقا محدقا إلى قمة التلة. يبدو محبطا وقد استنتج أن عليه العودة للفندق مشيا، لكنه لا يدرك أن الأمر على وشك أن يصبح أسوء بعد حين.
 
بينما هو هناك وقد جثا على ركبتيه، يلتقط أنفاسه يحاول أن يتقبل الأمر، يسمح على حين غرة صوت زمجرة آتيا من قمة التلة على يمينه، يستدير بسرعة فيلمح ظلالا غريبة تقترب منه ببطء، ثم يسمع مزيدا من الزمجرات يلمح الظلال بعدها مقتربة بسرعة. "ذئاب!" يقول هامسا قبل أن يقف على قدميه فيبدأ الركض نحو السيارة، وبتزامن مع ذلك تقترب الذئاب بسرعة نحوه نزولا من التلة، كلما اقتربت استطاع سماع أنفاسها وزمجراتها بشكل أوضح.
 
يركض... يركض... يركض إلى أن يبلغ السيارة فيقذف نفسه عبر النافذة إلى الداخل بصعوبة، وعلى الفور تبلغه الذئاب فتحيط به من الخارج، يحاول بعضها الدخول إليه لكنه حتى الآن يفلح في ركلها فزعا وهو يصرخ طلبا للنجدة. عميقا في عقله اللاواعي، يدرك بأن السيارة المنقلبة والمليئة بالرمال قد أصبحت مجددا تابوته الذي اشتهى سابقا، لكنه عميقا أيضا يدرك أن ذلك ما لم يعد يشتهيه، فإن يستسلم يفوز ماضيه، وإن يقاتل سيولد من جديد.
 
من المقدمة يتلقف قنينة شراب فيحطمها ليحصل على سلاح يدافع عن نفسه به، وبذلك يستبدل الركل بالطعن. حوله ومن كل الجهات يطوف قطيع الذئاب بالسيارة الغارقة في الرمال كما تطوف القروش حول القوارب المنكوبة في عرض البحر. تتربص لعله يخرج، وحين لا يفعل، يحاول أحدها الدخول إليه مجددا عبر النافذة، لكن هذه المرة، ما أن يفعل أحدها حتى يطعنه في العنق بما يكفي لجعله يئن ألما متراجعا وقد أرعب البقية... إلى حين فقط.
 
عبر النافذة، يرى القطيع وقد تراجع بضعة أمتار قبل أن يهاجم من جديد. حينها يفعل شيئا لم يظن أنه سيفعله مجددا… يقرر أن يصلي. "إلهي لم أعد أرغب في الموت، فإن تنجني أعيش حقا" يقول وهو مغمض العينين قبل ان يفتحهما ويرى ثلاثة ذئاب تركض مباشرة نحو وجهه.
 
إيقاف ذئب واحد من اقتحام السيارة كان صعبا، أما ثلاثة معا فيبدو مستحيلا، لكنه يشد قبضته حول فم القنينة المحطمة مستعدا ليحاول، إلى وأن فجأة، يسقط مشعل ملتهب بينه وبين الذئاب المهاجمة، متبوعا بصرخات العديد من الرجال المندفعين على جمالهم وخيولهم نحو كامل القطيع. إنهم مجموعة من الرحل قد قادتهم الصدفة إلى حيث هو، وها هم يدحرون الذئاب نحو الظلمة لإنقاذه ونور مشاعلهم قد أضاء كل ما حوله.
 
بإمكانه الآن أن يخرج، وزحفا يفعل ذلك فيبدو وكأن السيارة تلده. أخيرا يقف على قدميه وكل ما حوله الآن هو مجموعة من الرجال البسطاء الذين تحلقو حوله للتأكد من سلامته. كلهم لا يزالون على دوابهم باستثناء واحد قد اختار النزول مخاطرة حتى وإن كانت الذئاب لا تزال بالأرجاء، ليتفقد حال الغريب التائه في الصحراء عن قرب، فيسأل:
 
-         هل أنت بخير؟
 
-         نعم… نعم أنا كذلك الآن، شكرا جزيلا لكم.
 
-         لا داع، فحتى الذئاب تعتني ببعضها.
 
يستمر حوارهما لبرهة بينما يطوف البقية في الأرجاء تأكدا من أن خطر الذئاب قد زال. أثناء حديثهما يشرح رجلنا للرحال ما حدث له وما سبب عودته للسيارة دون تفاصيل غريبة. كل ما قاله هو أن قد انقلب صباحا وأنه قد عاد ليلا ليتفقد سيارته خوفا من أن تغمرها الرمال، ويبدو أن الرحال قد تفهم الأمر رغم أنه قد بدا له قرارا غبيا لن يعمل به سوى شخص غريب عن الصحراء وبأسها، مع ذلك يقرر أن يساعد مجددا، فينادي على رفاقه لتجربة شيء ما.
 
باستخدام حبالهم المعدة لبناء الخيم الثقيلة من وبر الإبل، يربطون جانب السيارة بكل جمالهم، ثم يصطف كل رجل خلف الجمال للمساعدة. حين يصير كل شيء جاهزا، يبدأون في السحب معا بأكثر ما أوتو من قوة رجالا ودوابا إلى أن يبدأ جانب السيارة في الإرتفاع عن الأرض، لولا الرمال التي تملأها وتغرقها لكان الأمر أسهل بكثير، مع ذلك، خطوة تلو الأخرى صارت السيارة بأكملها على جانبها، ثم وبمجهود إضافي أقل شدة انقلبت أخيرا لتعود على عجلاتها كما يفترض بها أن تكون. لقد نجح الأمر! وبحماسة يركب سيدها على متنها ليعثر على المفاتيح لا تزال في فتحتها، فيديرها ويضغط على دواسة الفرامل لتعود للحياة من أول محاولة.
 
منتشيا بفرحة النجاة ومفعما بأمل الحياة  من جديد، يترجل من السيارة شاكرا الرحل على كل ما فعلوه من أجله. لكن مدركا أنه لا يستطيع شكرهم بما يكفي، يقرر أن يمنحهم كل المال الذي بحوزته، غير أن لا أحد منهم يقبل به. "كل ما فعلناه كان بإيثار وإننا لا نبتغي مقابلا" يقول آخرهم وهو يقبض يده أن لا تمسك أي مال من الرجل. مجددا يشكرهم جميعا ويقرر أن يعتمد على نفسه للعودة، وقد رفض بأدب دعوتهم إياه مرافقتهم إلى مخيمهم حيث الأمان والطعام. بذلك يودعونه آملين له التوفيق في العودة إلى الفندق، أما هو فيشكر مجددا ملوحا، ثم يركب السيارة مستعدا للرحيل عائدا للفندق. قبل أن ينطلق، ينظر للمقعد الخلفي فيلمح الحقيبة التي خاطر من أجلها، فينطلق بعد ذلك مبتسما.
 
يقود عائدا إلى الفندق. في طريقه، وليس ببعيد عن منطلقه، يصادف الذئب الدامي وقد لقي مصرعه… مستلقيا على الرمال وحيدا. يتوقف للحظة متأملا المشهد أمامه. جزء منه يشعر بالسوء لقتله كائنا بغاية الجمال كذاك، بينما جزء آخر منه يشعر بالفخر لقهره وحشا ضاريا كذاك.
 
بعد لحظات يقرر أن يغادر مكملا طريقه نحو وجهته وقد شعر أن بقية الذئاب تراقبه من الظلمة حيث لا يصل ضوء السيارة. كلمترا تلو آخر، يبلغ أخيرا آخر تلة كبيرة مطلة على الفندق فيقرر ترك العربة والعودة متسللا راجلا مخافة أن يكشف أمره. حين يصبح عند الفندق يرى بضعة موظفين يحاولون السيطرة على جمل فزع، فيدرك على الفور أنه جمله العائد. دون أن يساعدهم يمر سريعا نحو مدخل الفندق ثم إلى آخر الردهة حيث الممر الذي يقوده إلى صالة كبيره تصدح بالموسيقى الشرقية.
 
المكان يعج بالراقصين والمتفرّجين، وقد صار واحداً من المتفرجين الآن أيضاً. يقف هناك عند الباب الخشبي الكبير الوحيد الذي يفصل الصالة عن بقية الفندق، يشاهد لعله يلمحها، وسرعان ما يتحقق له ذلك. إنها هناك! في مقدمة الكل بين فتيات أخريات، ترقص حافية كأن لا هم لها. فجأة لا حسناوات في الصالة غيرها، كل تركيزه عليها، يشاهدها مبتسما وهي تتمايل على أنغام الموسيقى. الآن يعلم أن نور البدر لم يفي جمال جسدها حقه. تكاد عيناه لا ترمشان وهو يحدق إلى ساقيها الناصعتين بياضا، وخصرها الضيق الذي قد يجعل أية ساعة رملية في العالم تتجمد غيرة.
 
كل ما يفعله هو مشاهدتها لبضع لحظات قبل أن تثقل عيناه وقد بدأ النوم يمتطيهما. يقرر أن يعود إلى غرفته وأن يترك وراءه الصخب والحسناء إلى الصباح، ولذلك يمشي بهدوء نحو غرفته فيدخلها ثم ينهار على السرير. بإمكانه أن يشعر بألم جسده وهو يستبدل بالراحة على تلك الشراشف البيضاء الناعمة. بضعة دقائق فقط، فيغرق وعيه في ظلام النوم إلى الصباح، باستثناء ربما بضعة أحلام خاطفة هناك وهناك.
 
في الصباح، تتسرب أشعة الشمس من نافذة في غرفته فتوقظه. حائرا لثواني ينظر بالأرجاء، في إنتظار أن يبدأ عقله في الاشتغال وتذكر كل ما فات. يجلس مثقلا على جانب السرير ليسمح لوعيه بالعودة كليا إليه. حينها، يلمح ورقة على المنضدة بجانبه فيتلقفها ببطء محاولا قراءتها رغم الضوء الساطع، وعليها يجد رقم هاتف وجملة كتبت بخط أنثوي تقول "إتصل بي إن زرت الشمال يوما". يعرف على الفور يأن الحسناء صاحبتها، فيجعله ذلك يقف مسرعا، مندفعا خارج غرفته نحو مكتب الاستقبال حيث يسأل عنها.
 
مدركا أنه لا يعرف إسمها حتى، يحاول أن يصفها للموظف خلف المكتب لكن دون جدوى، ثم يفطن لأن يسأل عن زوار الفرح من البارحة، فيجيب الموظف بأن معظم، إن لم يكن كل، مدعوي الزفاف قد غادروا باكرا هذا الصباح في حافلات مخصصة لهم. مدركا أنها على الأغلب كانت بينهم، يستسلم أخيرا فيضع الورقة التي تحمل رقمها في محفظته مبتعدا عن مكتب الاستقبال. فجأة يشعر بدوار خفيف، فيتذكر أنه لم يأكل شيئا منذ ساعات طويلة، لذلك يعود إلى الموظف ويطلب منه بأدب أن يجعل أحدهم يجهز له فطورا.
 
بعد أن يتناول فطوره بمقابل التلال الرملية في الأفق، يعود إلى غرفته حيث يجد ملابسه وقد أعادتها خدمة الغرف من الغسيل. بسرعة يتخلص من ملابس الكتان البيضاء مرتديا ملابسه الخاصة.. سروال جينز أزرق وقميص أسود بسيط ببعضة ثقوب من الحادث، حتى حذاءه الجلدي البني هناك، لكنه يقرر أن لا يرتديه الآن.
 
إنه مستعد للمغادرة الآن، لكنه يختار أن يمر أولا عبر مقهى الفندق الصغير ليطلب كأس قهوة للذهاب.
 
بعد ذلك يظهر خارجا من الفندق نحو البر الساطع وكأس القهوة في يده بينما يحمل حذاءه في اليد الأخرى. يقف متأملا الأرجاء للحظة وهو يرتشف من كأسه بعضا من القهوة الساخنة، ثم ينطلق نحو سيارته حافيا قبل أن تسخن الرمال بدورها. خطوة تلو أخرى يبلغ التلال ثم يتسلقها ليقابل سيارته مجددا. هذه المرة يفتح الباب الخلفي مخرجا الحقيبة. يفتحها فيأخذ كومة من الأوراق من داخلها ثم يجلس على الرمال متكئا على عجلته الأمامية ليحدق في تلك الأوراق مبتسما. تلك هي روايته الذي ظل يعمل عليها لسنة كاملة قبل أن يهجرها عندما فقد الأمل في الحياة.
 
للحظات قليلة ظل يقلب الأوراق قبل أن يعيدها إلى الحقيبة ويقرر الإنطلاق مغادرا الصحراء، فيصعد على متن سيارته وشرقا يتجه بحذر يراوغ التلال نحو الأفق حيث الأرض المنبسطة التي ستقوده إلى خط من المدن المتجاورة ثم إلى البحر، حيث إعتاد الكتابة دائما. طوال الطريق، وبينما تشغل الموسيقى السعيدة أذنيه، تتأمل روحه العالم في الخارج، كأنه يرى الطبيعة لأول مرة، وكأنه أيضا يرى الناس لأول مرة. سواءا أ كان طفلا صغيرا يجري بين الأزقة، أو عجوزا يستمتع برفقة قهوة الصباح وجريدة، أو حتى قطا ضالا يتبختر على الرصيف، لم يبعث ذلك في قلبه غير السعادة والتقدير للحياة والأمور البسيطة التي كان يغفل عنها في حياته السابقة.
 
مدينة تلو أخرى، يصل أخيرا إلى مكانه المفضل… قرية ساحلية مطلة على البحر حيث الرياح الهادئة وصوت الموج والنوارس يبلغ مسامع الناس وهم في عقر الدار. وداره على جرف مطل على الشاطئ في الأسفل، لقد مضت أشهر منذ أن كان فيها، والآن إليها يعود مشتاقا ليسكنها ويكتب وهو يطل على البحر الممتد أمامه من خلال نافذته، روايته التي صارع عقله المتجمد لأشهر من أجلها دون جدوى، غير قادر على معرفة ما ينقصها ليكملها… لكنه الآن يعلم ; فتاة غجرية تبعث الحياة مجددا في روح البطل.
 
فيكتب ويكتب ويكتب إلى أن يتعب فيخرج لملاقات البحر وأناسه. يتجول بين قوارب الصيادين، يشاركهم الشاي والحديث، ثم يزور المركمجين في مخيماتهم، فيشاركهم الضحكات والطرائف، بل وحتى أنه يتعلم معهم ركوب الأمواج والاسترخاء. أحيانا أخرى، يلتقي سياحا عابرين، وهيبيين سعيدين تائهين، فيشاركهم القصص واللفائف، بل حتى أنه يراقصهم ليلا ويغني معهم فجرا، ولا يعود للبيت إلا وقد شحن كيانه أو استنزفه متعة. فيعود إما للنوم أو إضافة أسطر أخرى.
 
هكذا تمر أيامه، إلى أن ينتهي أخيرا من الكتابة. روايته مكتملة الآن، وإليها يحدق وهي أوراق على مكتبه، تماما بجانب النافذة المطلة على البحر اللا نهائي. رياح الصيف الأخيرة تتسرب لتداعب خصلات شعره كأنها تهنئه أو تحضنه بعد أن تغلب على جمود عقله. للحظات الآن يفكر في ما يجب أن يفعله، ثم أخيرا يقرر أن يزور الشمال، تاركا مصير روايته للقدر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال